البابُ الثانی :: فیما یتعلّق بکیفیّة العمل

البابُ الثانی

فیما یتعلّق بکیفیّة العمل

قد علمتَ یا خلیلی ما اثبتناه(1) اوّلاً من لزومِ متابعه اهلِ بیتِ العصمهِ سلامُ اللهِ علیهم فی اقوالِهم و افعالهِم والتدبَرِ فی اخبارِهم و آثارِهم.

فاعلم اَنَّ الخیرَ وجدناه فی اخبارهم اذ ما من حکمهٍ من الحِکَمِ اِلا لاهیّه الا و هی فیها متصرِّحهُ مشروحهُ لمن أتاها بقلبٍ سلیم و عقلٍ مستقیم لم بعوجُ عقلُه بسلوکِ طرقِ الضلالِ والعَمی و لم یأَنَس فهمُهُ باطوارِ اهلِ الزیغِ والردی .

و طریقُ الوصولِ الی النجاهِ والفوزِ بالسعادات ظاهرهُ بیِّنَهُ فیها لمن رَفعَ غشاوه الهوی عن بصیرتِه و تَوَسَّل الی رَبّه فی صحیحِ نیَّتِه و قد قال الله تعالی «والذینَ جاهدُوا فینا لنهدِّینهم سُبُلَنا»(2) و محال ان یخلف اللهُ وعدَه اذا اتی اللهَ من الابوابِ التی أَمَر الله تعالی ان یوتی منها(3).

--------------------------------------------------------------------------------------------

[86]

فالذی یجب اوّلاً للسالکِ الی اللهِ ان یُصَحِّحَ نیَّتهُ لان مدارَ الاعمالِ فی قبولها و کمالِها علی مراتبِ النّیاتِ(4). و لا یتأتّی ذلک الا بتوسّلِ التیامِ بجنابِه تعالی والأستعاذِه من شرِّ الشیاطینِ و غلبهِ الاهواء.

ثم یتفکُر فی عظم هذا المقصدِ الاقصی و یتفکرُ فی أنّه بعد ذهابِه عن هذهِ النشأه لا یتأَتّی له الرجوعُ الیها لتدارُکِ ما قدفات منه و یحذَرُ عن الحَسره العظمی والمصیبهِ الکبری.

... ثمّ یتفکَّرُ فی فَناءِ هذهِ الدّنیا و تقلُّبِ اَحوالِها و عدمِ الاعتمادِ علیها وعلی عِزّها و فخرِها؛ و یَرْجِعْ(5) فی اَثناءِ هذهِ التّفکّراتِ الی ما وَرَدَ عن الائمّة الهُدیٰ -عَلَیهِمُ السَّلامُ-  فی ذلک، لا الی کلام غیرهِم؛ لانَّ لها - لِصدورِها عن منابعِ الوحیِ و الاِلهامِ - تأثیراً غریباً لیس لکلامِ غیرِهِم، واِن کان المضمونُ واحداً.

            و اَیضاً کلامُ غیرِهِم کالغزالیِّ(6) و اَبی طالبٍ المکّیّ(7) و اَضرابِهِما

--------------------------------------------------------------------------------------------

[87]

مشتمِلٌ علی حقٍّ و باطلٍ و اِنَّهُم یُسَوِّلُونَ باطلَهم فی اَثناءِ ذکرِ الحقِّ فی نظرِ الناظرینَ الی کلامِهِم لیُدخِلوهُم فی حَبائِلِهِم و مَصائِدِهِم.

ثم اعلم أَنَّ النیَّهَ لیست هی ما اشتَهَر بینَ الناسِ من خطور القلب(8) او التلفظِ بها بالفاظٍ عربیهٍ او اعجمیّه بل هی الداعی الی فعلِ الانسانِ و هی امر کا منٌ فی النفسِ لا یطلعُ علیها الا المجدّونَ فی طاعهِ اللهِ الذین بَصَّرَهم اللهُ عیوبَ النفسِ و دائَها و دوائَها کما قال الله تعالی : «فألهَمَها فجورَها و تقویها»(9) و هی تابعهُ للحاله التی الانسان مقیمٌ علیها کما وَرَدَ فی تفسیر قوله تعالی : «قل کل یعمل علی شاکلته»(10) ای علی نیّته.(11. و هذا ظاهر لمن تَدَبَّرَ فیه.

مثلاً: اذا کانَ رجل شاکلتُهُ وطریقَتُهُ و سجیَّتُه حبُ الدنیا و الحرصُ علیها لا یعملُ عملاً من اعمالِ الخیرِ والشرِ الا مقصودُه الاصلی منه حیازةُ الدنیا . فاذا صلّی [کان الباعثُ له علیه](12)، أنّه  إذا اَخَلَّ بالصلوهِ یُخِلُّ ذلک بدنیاه . و اذا شَرِبَ الخمرَ یشرب لانه یعینُه علی دنیاه و هکذا.

            و اذا غَلَبَ علی احدٍ حبّ الملوک والتقربُ عندهم لا یعملُ شیئاً الا و هو یلاحظ ان یکونَ لهذا العملِ مدخلٌ فی التقرّب الیهم والقرینهٌ

--------------------------------------------------------------------------------------------

[88]

علی ذلک یَترُوکُ کثیراً من اعمال الخیرِ لا یوافق طباعهم.

فاذا تَفَطَّنتَ لذلک فاعلم ان للناس فی نیّاتِهم منازَل و درجاتٍ: فمنهم : مَن غَلَبَ علیهم شقوتَهُمُ کما أَشَرنا الیه و لیس المنظورُ فی اعمالِهم الا امثالُ ما ذکرناه من الامورِ الفاسدهِ و هذا اذا لم یَسعَ فی ترک تلک الحاله یتدرّج(13) فی الشقاوهِ الی ان یترکَ دینَه و عقائدَه و لا یرجی خیره ابداً.

والثانی : مَن ارتَفَعَ عن هذهِ الدرجهِ ففی نفسهِ حبُ الدنیا و حبُ الاخره معاً(14) و یزعَمُ باطلاً(15) انهما یجتمعانِ .  فقد یغلبُ علیه حبُ الآخرهِ فیعملُ لها .  و قد یغلب علیه حبُّ الدنیا فیعملُ لها . و هذا اذا لم یرفَع نفسَه عن هذه الدرجة ، یلحقُ عمّا قریبٍ بالاوّل.

والثالث من غَلَبَ علیه خوفُ عقابِ اللهِ ، و تَنَبَّهَ و تَفَکَّرَ فی شدیدِ عذابهِ و الیمِ عقابه ، فصار ذلک سبباً لحطّ الدّنیا عن نظرِه . فهو یعملُ کل ما یعلم من الاعمالِ الحسنهِ و یترکُ ما یترکُ من الاعمالِ السیئه خوفا و هذه العبادهُ صحیحهٌ علی الأظهرِ  لکن لیس فی درجه الکمال . و قد وَرَدَ عن الصادقِ - علیه السلام- أنها عبادةُ العبید(16).

--------------------------------------------------------------------------------------------

[89]

والرابع : أنَّهُ قد غَلَبَ علیه(17) الشوقُ الی ما أَعَدَّ اللهُ للمحسنینَ فی الجنَّهِ . فیعبدُ اللهَ(18) لطلبِ تلک الامورِ . و قد وَرَدَ فی الخبرِ انها عبادةُ اُلاجراء(19).  و هذا قریب من السابق.

والخامس : انه یعبُدَ الله لانه – تعالی - أهلٌ للعبادةِ . و هذه درجة الصدّیقین . و قد قال أمیر المؤمنین- صلواتُ اللهِ علیهِ- «ما عبدتُکَ خوفاً من نارِک و لا طمعاً فی جنَّتک و لکن وجدتُکَ اهلاً لعبادهِ فعبدتک»(20) و قد ورد عن الصادق - علیه السّلام- أنّها عبادة الاحرارِ.

            و لا یسمع هذه الدعوی  من غیرهم . اذا لا یکوُن هذا إلّا لمن یعلمُ من نفسِه أنّه لو لم یکُن للهِ جنّهُ و لا نارٌ ، بل لو کان- والعیاذ بالله- العاصی فی الجنّهِ والمطیعُ فی النارِ ، لاختار إلا طاعة لأنّ الله تعالی أهل لها.

والسّادس : أَنَّه یعبدُ الله تعالی شکراً له . فانَّهُ یُلاحِظ نِعَمَه تعالی الغيرَ المتناهیة ، فیحکُمُ عقلُه بأنّ هذا المنعمَ یستحقُّ لان یُعبَدَ لنَعمِه(21).

والسابعُ : اَنَّه یَعبُدُ اللهَ حیاءاً فإنّه یحکم عقلُهُ بحسنِ الحسناتِ و قبحِ السَّیئات و یعلم أنّ اللهَ تعالی مطَّلعٌ علیه فی جمیعِ

--------------------------------------------------------------------------------------------

[90]

 احوالهِ فهذا یعبُدُه حیاءاً و لا یلتفتُ الی ثواب و لا عقابٍ . و الیهَ یشیر ما ورد فی تفسیر الاحسانِ ان تَعبُدَ الله کانَُّک تراه فإن لم تکن تراه فانّه یراک(22).

والثامنُ : یعَبُدَه تعالی حبّا له(23) و رتبُه المحبّهِ من اعلی مراتبِ الکمال و هی تحصُل بدوامِ ذکره تعالی حبّا له و کثرهِ العبادهِ و تذکر نعمِ الله تعالی علیه والطافهِ الیه و اذا حصلت المحبّه لا یجوز مخالفهُ محبوبِه لحبِّهِ(24) ایّاه و لا ینظر الی نفع و لا ضرر.

والتاسع : انّه یَعبُدُ تقرّباً الیه ای طلَباً لقربه(25) .

وللقربة(26) معانٍ دقیقهٌ نشیرُ الی بعضِها اذ لا یتصوّر فی شانه تعالی القربُ الزمانيّ والمکاني.

            فالمرادُ اما القربُ بحسبِ الدرجهِ والکمالِ اذ فی مراتبِ النقص له غایهُ البُعدِ عن جنابِه تعالی لغایهِ کمالِه.  فاذا رَفَعَ عن نفسِه بعضَ النقائِص واتَّصف ببعضِ الکمالات قل بُعدُه عن جنابِه و تَخَلَّق ببعضِ اخلاقِه.

            اوالقربُ بحسبِ مصاحبهِ المعنویه والتذکّر. فانّه اذا کان محبٌّ فی الشرق و محبوبُهُ فی المغربِ فهو علی الدّوام فی ذکِره و فِکرِه و مشغولٌ بخدماتِه و بالامور المفوّضةِ الیه . و هذا فی الحقیقة اقرب من المحبوب من العدوّالذی هو جالسٌ بجنبه.

--------------------------------------------------------------------------------------------

و للقرب معان أخر(28) . و للنّیة درجاتٌ أخر فیما بین المراتبِ الذی ذکرناها لا يتناهی . و انّما أَشَرنا الی بعضها علی سبیلِ التمثیلِ ، لیعرف المؤمنُ السالکُ الی الله خطر هذا الطریقِ و یتوسلٌ الیه تعالی لینجیهِ من مهالِک هذه المسالِک . حتی اذا دخل فی زمرهِ عباد الله مخلَصین أَمِن من شر الشیاطینِ کما قال تعالی «انّ عبادی لیس لک علیهم سلطان »(29).

و لَنِعمَ ما مُثّل الشیطان بالکلب الّذی یکونُ علی ابوابِ الناس و یؤذِی من یهمّ بدخول دار مالکه و لا یمکن دفعه الّابان یَنهَرهُ المالکُ و یزجرَه او یعلَمَ انّ الدّاخل من اصدقاءِ صاحبِ البیت . فکذا هذا الکلبُ اللعین موکَّلٌ علی بابِ الله تعالی،  لئلّا یدخُلَها الأَجانب و من لا یلیق لشقائه بالدخول فیه . فاذا نَهَرَهُ صاحبُ البیت-  جلَّ شأنُه - بسببِ استعاذه العبدِ به من شرِّه او عَلِمَ انه من متقرّبی هذِه الحضرِة و من خواصِّ مالک الملاک و کثیراً ما یدخل هذا الباب و یخرج منه و له انسٌ بصاحبِ البیتِ لا یتعرض له هذا الکلب(30).

--------------------------------------------------------------------------------------------

[92]

فاذا تَوَسَّل السالکُ بجنابِه تعالی و صَحّح نیتُه بقدرِ الجهدِ فی بدوِ الأمرِ بطلبِ ما یعلم انه خیر آخرته فیه و لا یبالی بان یعدَّه اهل الزمان و جهله الدّوران حشویّاً او قشریّاً او زاهداً متحجّراً او ینسبونه الی الجهل و اذا کان بهذِهِ المنزلةِ یظهرُله الحقّ عِیاناً .

فینبغی بعد ذلک ان یبتغی معلِّماً مستأنِساً بکلامِ اهل البیت - علیهم السلام- و أخبارِهم معتقداً لها لامن یووّلُ الاخبارَ بالاراءِ بل من صَحَّح(31) عقائده من الأخبارِ(32) و یشرعُ فی طلبِ العلمِ ابتغاءَ وجهِ اللهِ و طلبَ مرضاتِه(33) و یتدبّرُ فی اخبارِ اهلِ البیتِ - علیهمُ السلام-  و یکونُ مقصدُه التحصیلَ للعملِ.

            فلا العمل ینفعُ بدونِ العلم کما وَرَد عن الصّادق - علیه السّلام- : انّ العاملَ علی غیر بصیرهٍ کالسائرِ علی غیرِ الطریقِ لا

--------------------------------------------------------------------------------------------

[93]

یزیدُه سرعهُ السیّرِ الاّ بُعداً»(34) و لا العلمُ ینفَعُ بدونِ العمل.

و ایضاً(35) لا یحصلُ العلمُ بدونِ العملِ کما روی : «من عَمِلَ بما عَلِم [ورَّثه اللهُ ](36)علمَ ما لا یعلم»(37) .

و لقد شُبَّهَ العلمُ بسراجِ یکون مع السائر فی طریقٍ مظلم . اذا وقَفَ و لم یمش ،لا یُضي ء له الا مقدارٌ معلومٌ و کُلَّما مشی یُضئیُ له مقدارٌ آخر. فالعلم یُعین علی العمل والعمل یزید فی العِلم.

فینبغی أَن یقسِّم یومه ثلاثهَ اقسام : ففی بعضِ الیوم یسعی لطلبِ الرزقِ الحلالِ . و فی بعضٍ فی طلبِ العلم و فی بعضٍ آخر یشتغل بالفرائِض والسننِ والنوافلِ.

و ینبغی أَن یَحصُلَ نبذهً من العلومِ الآلیةِ، لافتقار علمِ الحدیثِ الیها - کعلم الصّرفِ والنحوِ و قلیلاً من المنطقِ  قلیلاً من علم الاصولِ و بعضَ الکتبِ الفقهیّه،ثم یبذلُ غایهَ الجهدِ فی علمِ الحدیثِ و یطالعُ کُتُبُ الاربعه و غیرَها من تصانیفِ الصدوقِ(38) و غیرهِ.

--------------------------------------------------------------------------------------------

[94]

و لقد اجتمع عندنا - بحمدالله - سوی الکتب الاربعه نحوٌ من [مأتی کتاب و لقد جمعتها و فسّرتها فی کتاب بحارِ الانوارِ .  فعلیک بالنظر فیه والخوضِ فی لُججه والاستفادَةِ منه . فانّه بحرٌ(39) کما سمّی به](40).

ثمّ اعلم یا- أخی- أنّ لِکلِّ عبادةِ روحاً و جسداً و ظاهراً و باطناً . فظاهرُها و جسدُها الحرکات المخصوصة . و باطنُها الاسرارُ المقصودةُ منها والثمراتُ المترتّبةُ علیها و روحُها حضورُ القلبِ والاقبالُ علیها و طلبُ حصولِ ما هو المقصودُ منها . و لا تحصل تلک الثمرات الّا بذلک.

کالصّلوة التی هی عَمُودُ الدین . جَعَلَها اللهُ تعالی افضلَ الاعمالِ البدنیهِ و رتَّبَ علیها آثاراً عظیمة . قال الله - تعالی - :«انّ الصلوة تنهی عن الفحشاءِ والمنکرِ»(41) و قال رسولُ الله -صلّی الله علیه و آله و -: «الصّلوةُ معراجُ المؤمن»(42) . و لا  یترتَّبُ علیها تلکَ

--------------------------------------------------------------------------------------------

[95]

الثمراتُ الّا بحضورِ القلب(43) التی هی روحُها اذ الجسدُ بلا روحٍ لا یترتَّبُ علیه أثر .

و لذا صلوتنا لا تنها ناعن الفحشاءِ والمنکرِ . و لا یحصلُ لنا بها العروجُ عن تلک الدّرکاتِ(44) الدّنیه الی الدّرجاتِ العلیّه. فان الصّلوة معجونٌ الهیٌ و مرکّب سماویُّ اذا لوحِظَت فیها شرایطُ عمِلها ینفعُ لجمیعِ الامراضِ النفسانیّةِ والأدواءِ الرّوحانیّة.

فیلزمُ ان یکونَ الانسانُ متذکِّراً فی کلِّ فعلٍ من افعال الصّلوة سَرّ ذلک الفعل والغرضَ المقصودَ منه . ففی الدعواتِ المقدمةِ علیها ایناسٌ للنفسِ الّتی استوحَشَت بسببِ الاشتغالِ بالأمورِ الدنيویّةِ الّتی اضطُرَّ الیها الإنسانُ بحسب الحِکَمِ والمصالحِ لیکون عندَ الشروعِ فیها مستأنِساً بجنابِه – تعالی-.

و أیضاً من شرایطِ قبولِ العمل التقوی والورعُ عن المعاصی ، إذ بارتکا بها یبعدُ عن ساحةِ قربهِ . و قد قال الله – تعالی - «إنما یتقَبَّلُ اللهُ من المتَّقین»(45) و لمّا ارتکب العبد الأ فعالَ السیِّئة و بَعُدَ بسببها غایهَ البعدِ ، یتضرع قبلَ الصلوة ان یَغفِرَ له و یَصفَحَ عن جرائمِه لیصیر أهلاً لان یعبُدَه و یناجِیَه .

و فی التکبیراتِ تنزیه لجنابِهِ تعالی عن الشریک والمِثلِ والنقصِ

--------------------------------------------------------------------------------------------

[96]

و عن ان یمکن للعبد إدراکه بالقوی الظّاهِرة و بالباطنِة والعقولِ والأفهامِ  ، و تذکّرٌ للعقائد الحقّة لتستقرّ فی النفوس(46).

            و فی دعاء التوجُّهِ تلقینٌ للإخلاص فی النّیّه و اظهارٌ لغایةِ العبودیّة و رفعُ النظر عمّا سواه والتوجُّهُ بشراشِرِه الیه(47).

            و فی القراءة مکالمة مع المحبوبِ الحقیقیّ و مناجاةُ بذکر محامِدِه اوّلاً و وصفُهُ بالأوصافِ الکمالیةِ و وسیله أمامِ الحاجةُ و رعایةُ لآدابِ المکالمةِ والمناجاةِ.ثم اظهارُ العبودیَّةِ ثم التَخَلّی عن الحولِ والقوّهِ والاستعانَهِ به فی جمیعِ الأمورِ خصوصاً فی العبادات(48) ثم طلبُ الهدایةِ الی الصّراطِ المستقیم و هی صراطُ النبيّ والأئمّه - علیهمُ السّلام-  فی جمیعِ العقائد والأعمالِ والأخلاقِ والطرقِ(49) إلی الله.

--------------------------------------------------------------------------------------------

[97]

و هذا الطلبُ مشتملُ علی جمیعِ المطالبِ العالیة  - ثم الاستعاذةُ عن صراطِ أعدائِهم و [یندرجُ فیه](50) جمیعُ العقائدِ الباطلَةِ والأخلاقِ الردیّة والطُرُقِ المضلّة و جمیع الفسوق فإنّها جمیعاً صراط أعدائِهم.

و کذا فی الرّکوعِ والسّجودِ ، خضوعٌ و تذلُّلٌ لله - تعالی -  لدفع ما یَحدُثُ فی الانسانِ من التکبر والفخر و العجب . فأمربأن یضع مکارم بدنه علی الترابِ عند ربّه.

و کذا فی کلِّ فعلٍ من الافعالِ حِکَمٌ جسيمة و مصالحُ عظیمة . لا تفِی بشرحِها الکتبُ العظیمةُ و قد وَرَدَ فی الأخبار فی کلِّ فعلٍ من أفعالِ الصّلوه أسرارٌ غریبةٌ و حِکَم عجیبَة(51) . و إنّما أومَأنا فی هذا المقامِ الی بعضٍ منها علی جهةِ التمثیلِ  و الاّ فلا تفی هذه الرسالة و آلافُ أمثالِها بشرح واحد منها.

فینبغی أن یرجع الإنسان إلی الأخبار الواردة فیها و في أسرار جمیع العبادات و حکمها ، و یأتی بکلّ فعل علی وجهه لیکون کلّ فعل من أفعالِه وسیلة ً لقربهِ ، و سبباً لتکمیلِ نفسِه و هادیاً له إلی سبیل نجاتة.

ثمّ اعلم أَنَّ أقَربَ الطرُقِ إلی اللهِ – تعالی-  کما هو ظاهر کثیرٍ من الآیات والأخبار(52) هو طریق الدّعاءِ والمناجاةِ لکن لهما شرائط من حضورِ القلبِ والتوسّلِ التامِّ و قطع الرّجاءِ عمّن سواه – تعالی-

--------------------------------------------------------------------------------------------

[98]

والاعتماد الکامل علیه والتوجّه فی صغیر الأمور و کبیرها و قلیلها و کثیرِها الیه – سبحانه- .

والأدعیة المأثورة علی نوعین :

منها الأورادُ والأذکارُ الموظّفةُ المقرَّرةُ فی کلِّ یومٍ و لیلةٍ ، المشتملة علی تجدیدِ العقایِدِ و طلبِ المقاصدِ والأرزاقِ و دفعِ کیدِ الاعداء و نحو ذلک . و ینبغی للمرءِ یَجتَهِدَ فی حضورِ القلبِ والتوجّهِ والتضرّعِ عند قراءتها لکن یلزم أن لا یترکها إن لم یَتَیَسَّر ذلک.

            والثانی : المناجاة و هی الأدعیة المشتملةُ علی صنوفِ الکلام في التوبةِ والاستغاثةِ والاعتذارِ واظهارِ الحبِّ والتذلّلِ والانکسارِ . و ظنّی أنّهُ لا ینبغي ان یقَرأ تلک الّا مع البکاءِ والتضرّعِ والخشوعِ التامّ . و ینبغی ان یَتَرَصَّدَ الأوقاتِ لها ، و لا یقرأ بدونِ ما ذُکِرَ فیشبه الاستهزاءَ والسخریَّهَ.

و هذانِ القسانِ من الدعاءِ ببرکةِ أهل البیت- علیهمُ السّلام- عندنا کثیرةٌ لا تفي الفرصةُ بالاشتغال بعشر أعشارها.

فأمّا القسم الأولُ فاکثرها مذکورة فی مصباحَي الشیخِ الطوسی(53) و الکَفعَمِی(54) – رحمهماالله - و کتابَیِ التتمّاتِ(55) و الإقبالِ

--------------------------------------------------------------------------------------------

            والقسم الثاني أیضاً منشورةٌ(57) فی عرضِ تلک الکتبِ و غیرها ، کالأدعیة الخمس عشر(58) والمناجاةِ المعروفهِ بالانجیلیّة(59) و دعاءِ کمیلِ النَخَعی و [غیرِها](60) والصحیفةُ الکاملة جلُّها بل کلّها في مقام الثانی.

ثمّ انّ بعض تلک الأدعیَة یناسبُ حالَةَ الخوفِ و بعضَها حالَةَ الرّجاءِ و بعضَها للبلاءِ (61)و بعضها للرخاءِ(62) إلی غیر ذلک من الأحوالِ المختلفةِ الّتي تردُ علی الإنسانِ .  فینبغی أن یَقرَأ الإنسانُ فی کلِّ حالَةِ ما یناسبها من الأدعیة ، مع التدبَرِ فی معانیها والبکاءِ والتضرُّعِ فیها .

--------------------------------------------------------------------------------------------

[100]

و أنت إذا(63) سَلَکت هذا المسلک ، أیقنتَ أنّه أقربُ الطّرقِ إلی اللهِ تعالی و به تحصُلُ مقاصد الدّنیا والاخرة.

ثم اعلم أَنَّ أعظمَ سعاداتِ النفس الأخلاقُ الحسنةُ الزکیّهُ من المصافاةِ والجود والسخاء والإخلاصِ والمسکنهِ والحلمِ و غیرِها من الأخلاق الحسنةِ الّتي استحسنها الشرعُ والعقلُ .

و أقوی مُهلِکات النفسِ الأخلاقُ الذّمیمهةُ الردیّةُ من البخلِ والجبنِ والکبر والعجبِ والرّیاءِ والغضبِ والحقدِ و غیرِها من المهلکات(64) الردیّةِ الّتي استقبَحَها العقلُ والشرعُ.

            فیَجِبُ علی الأنسانِ السّعیُ فِی التَّخلّي عن الأخلاقِ السَّیِّئةِ والتَّحلّي بالاَطوار المرضیّة.

و زَعَمَتِ الصّوفیّةُ اَنَّهُمااِنّما یَحصُلانِ بترکِ المألوفاتِ و الاعتزالِ عن الخلقِ و ارتکابِ المَشاقِِّ و مُلازَمَةِ الجوعِ المُنهِک والسَّهَرِ الدّائم و سائِرِ ما هو طَورُهُم و دَأبُهم. و اِنّی  وَجَدتُ مَن یُقاسي تلکَ الشَّدائدَ منهم تَزیدُ اَخلاقُهُ الرَّدِیّة ُ و تَقِلُّ(65)اَخلاقُهُ الحَسَنة ُ؛ اِذ یَغلِبُ عَلَیهِ السَّوداءُ ؛ فلا یُمکِن لِاَحَدٍ اَن یَتکلَّمَ مَعَهُم بکلمة لِسوءِ خُلقِهِم، و یَقوٰی تکَبُّرُهُم و عُجبُهُم بحَیثُ یَظُنّونَ أنَّهم تَجاوَزوا عن درجةِ الانبیاءِ، ویُبغِضُونَ جمیعَ الخلقِ وَ یَستَوحِشونَ مِنهُم و کذا سائِرُ صِفاتِهِم؛ لکن لا یَظهَرُ ذلک لِلخلقِ لعدمِ مُعاشَرَتِهِم و مُعامَلتِهِم مَعَهُم.

--------------------------------------------------------------------------------------------

[101]

و ظنّی أَنَّ طریقَ معالجةِ ذلک  ، هو أَن یَتَوَسَّلَ اوّلا إلی اللهِ تعالی فی رفعِ تلک الرذائِل ثم یتفکَّر فی سوءِ عواقِبهِا و عیوبِ نفسه و ردَاءِة أصله و ما ینتهِي إلیه حالُه و نقصِ أعمالِه و نیّاتِه، ثم یعالج کلَّ خِصلةٍ بتمرینِ النفس علی ضدِّها حتی یصیرَ ضدُّ هاله له خُلُقاً و عادَةً .  وفی أثناءِ ذلک یتدبّرُ فی الأخبارِ الواردِة فی ذمِّها و مدحِ ضدّها . و کتاب الإِیمانِ والکفرِ من الکافي(66) مشحونٌ بها .

مثلا ً : صاحب البخل یداوي نفسَه بعدَ التوسُّلَ الیه - تعالی-  والتفکُّرِ فی أنّ المالَ لاینفعُهُ بعدَ الموتِ والاعطاءُ ینفَعُه وانّ اللهَ- تعالی-  یَخلُفُه ولا یُخلِفُ وعَده . ثمّ یتدبَّر فی الآیاتِ و الاخبارِ الواردةِ فی ذمّه . ثمّ یزجر نفسه علی الإعطاء(67) .  ففي المرتبةِ الأولی یَشُقُ علیه و فی الثانیةِ أسهل إلی أن یصیرَ العَطاء له عادةً و خُلقاً لایمِکنهُ ترکُه .

و کذا صاحبُ الترفُّعِ فی المجالسِ یعالجُ نَفسَه بعدَ ماذُکِرَبان یَجلِس مراراً دونَ ما یلهقُ به من المجلسِ الی ان یصیر له خُلقا وهکذا فی سایِر الاخلاق.

واَفضلُ ما یُقرَءُ فِی التوسُّلِ دُعاءانِ فی الصَّحیفةِ الکاملةِ(68): لمکارم الاخلاق والاستعاذةُ من سيّئة الاخلاقِ(69). و مُلازَمَة ُ العبادات الشَّرعیَّةِ بشرائِطِها کافیة ٌ فی رفعِ تلک المُهلِکاتِ و لا یَحتاجُ الإنسانُ اِلَی ارتکابِ البِدَع و التَّشریعاتِ ؛ فیکونُ دفعاً للفاسدِ بالاَفسَدِ.

--------------------------------------------------------------------------------------------

[102]

ثمّ اعلَم یا اخی اَنَّ النوافلِ الیومیّة وصلوة الّلیلِ متممّهٌ للفرائضِ(70) وهی من سُنَنِ النبيّ - صلّی الله علیه و آله - لم یترکها إلی ان مضی من الدَّنیا فلا تترکها . و ان تَرَکتَها ، فاقضها حیثما تَیَسَّرَت(71).

 و علیک من الصومِ بالخمیسِ الاولِ والاخرِ والأربعاء الاوّل(72) من العشر الاوسط(73) فإنّها ایضاً من سننه(74) - صلّی الله علیه و آله - .

            و علیک فی الصلاة اللیل بالدعوات والتضرّع والبکاء . فإنّ هذا الوقت من اللیل محلّ قربِ العبدِ من الرّبِّ و بابُ الدعاءِ والرّحمة والمناجاتِ مفتوحٌ ، والقلبُ مجتمِعٌ ، والعَمَلُ فیه أقربُ من الخلوصِ کما قال الله - تعالی - «إنّ ناشئة اللّیل هی أشدُّ وطأً وأقوم قيلا»(75) .

و علیکَ فی ذلک الوقتِ بالدّعاءِ لإخوانِک المؤمنین تفصیلاً . فإنّه

--------------------------------------------------------------------------------------------

[103]

أقضی لحاجاتک وأنت مثاب فیه بمثلي ما طلبتَ لهم بل أضعافه(76).

و علیک فی تعقیبِ صلوةِ الفجرِ بالدعواتِ اوالأذکارِ المأثورةِ والمواظبةِ علیها . فإنّ في(77) تلک السّاعة تُقَسِّمُ الأرزاق(78).

و علیکَ بعدَ ذلک فی مشیِک و قیامِک وقعودکِ بمداوَمَةِ ذکرِ «لا اله الاالله» و «سبحانَ اللهِ والحمدُاللهِ و لا اله الاالله و الله اکبر» . فإنها أرکانُ عرشِ العبادةِ والمعرفةِ(79) ثمّ الصلوةُ علی النّبِیِّ و آله ، فإنّها من أفضلِ الأعمالِ(80) ، ثم مواظبةُ قدرِ وافٍ من هذه الاذکارِ الأربعهِ الواردةِ في

--------------------------------------------------------------------------------------------

[104]

القرآنِ و الأخبار،  وهی :«ماشاالله لا قوَّهَ الاّ باالله» للرزق و تیسُّرِ(81)الأمور و «حسبنا اللهُ و نعم الوکیلُ» لدفعِ الخوفِ من الأعادِي والشّدائِدِ . و«لا إله ألّا أنت سبحانک إنّی کنت من الظّالمین» لدفع هموم الدّنیا والآخرة و غمومها ، و «أُفوِّضُ أمري إلی اللهِ انّ الله بصیرٌ بالعباد» لدفعِ کیدِ الأعداءِ(82).

وأقلُّ ما تواظِب علیه من الأذکارِ کلّ یوم أن تصلّي علی محمّدِ و آل محمّدٍ کلَ یومٍ مائةَ مرّه و فی یومِ الجمعةِ ولیلتها الف مرّةٍ(83) .

و أن تقولَ کلَّ یومٍ ثلثمأتةٍ وستین مرّهٍ عدد عروق الجسد :«الحمد

[105]

الله ربّ العالمین کثيراً علی کل حال » و ان قرأت ذلک عند کلّ صباح و مساء فهوافضل(84).

و قل فی کلِ یوم «أستغفرالله» سبعین مرّةً و «أتوب إلی الله» سبعین مرّةً . وأکثرِ من الاستغفار . فإنّه یکفّرالذّنوب ، و یزید فی الرّزقِ و فی الأُولاد(85) .

--------------------------------------------------------------------------------------------

[106]

و اقرأ کلاً من التسبیحاتِ الأربع کلَ یوم [مائة مرّه(86) و عقیب کلِ صلوه مجموع التسبیحات الاِربع ](87) ثلاثین مّرة(88).

و قل کلّ یوم مائة مرّه «لا اله الا الله الملک الحقُ المبین» و ان لم تقدِر فثلاثين مرّةٍ(89).

--------------------------------------------------------------------------------------------

[107]

و قل في(90) کلّ یوم مائة مرّه «لا حول و لا قوه الا باالله»(91) و قُل فی کُلِّ یوم عشرَمرّاتٍ «أشهد أن لا اله إلا الله وحدَهُ لا شریکَ لَه الهاً واحداً احدً صمداً لم یتخذُ صاحبةً ولا ولداً»(92) .

وقل قبل طلوعِ الشمس و قبل غروبِها عشرَمرّاتٍ «لا اله الا اللهُ وحدَه لا شریکَ له له الملکُ و لهُ الحمدُ یحیی ویمیتُ [ویمیتُ ویحیی](93) هو حیٌّ لا یموتُ بیدهِ الخیرُ و هو علی کُلِّ شیءٍ قدیر» و عشرَمرّاتٍ «اعوذ بالله السّمیع العلیمِ [من همزاتِ الشاطینِ و اعوذ بالله أن یحضرونِ ان اللهَ هوالسمیع العلیم]»(94) فانَّهُ قدوَرَدَ في

[108]

الأخبارِ أنّهما سنّتانِ واجبتانِ و ان نسیتهما فی وقتَیهِما(95) فاقضهما(96).

و قل مائة مرّة بعدُ صلوهِ المغرب والغداة «بسمِ اللهِ الرّحمن الرّحیمِ لا حول و لا قوهُ الا بالله العليِ العظیمِ» و ان لم تقدر فسَبعَ مرّاتٍ فانّها امانٌ مِن سبعینَ نوعاً من البلاءِ(97) .

و اکثِر من قراءة سورة «قل هو الله احد»(98) و «انا انزلناه فی لیله القدر» و ان قدرت أن تقرأ «انا انزلناه» فی کل یوم مائة مرّة فافعل(99).و اقرأ «آیه الکرسی» و «شهدالله» و «قل اللّهمّ» و «سورة الحمد»

--------------------------------------------------------------------------------------------

[109]

 و «قل هوالله أحد» بعد کلّ صلوة(100).

و قَد وَرَدَ علی جمیعِِ ما ذکرتُ لک، صِحاحُ الاَخبارِ و لا تَشُکَّ اِن کنتَ مؤمناً باَهلِِ بیتِ نبیّکَ - صلّی الله علیه و آله - اَنَّها اَفضلُ مِنَ الاورادِ الفَتحیّةِ  الّتی اَلَّفَها حُثالةٌ(101) مِنَ الجاهلینَ المُبتدِعینَ مِن اَهلِ السّنة(102) التّارکینَ للاقتداءِ باَهلِ البیت- علیهمُ السلام-  .
            وعلیکَ بصَلوٰةِ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ و اَقلّـُها کلَّ اُسبُوع ٍمَرَّة ً، وَ عِندَ الشّدائِدِ؛ فاِنّها مُجَرَّبةٌ لِقضاءِ الحَوائج(103).
--------------------------------------------------------------------------------------------

[110]

و علیکَ بتحصیلِ کُتُبِ الدّعاء و الاَعمالِ(104) المُختصَّةِ بالاَیّام واللّیالِی . فاِنَّ لکِلٍّ منها تأثیراً خاصّاً فِی التَّقَرّبِ اِلَی اللهِ – تعالی-.

            و ایّاک و اتّباعَ الاَعمالِ الّتی لم تَرَها فِی الکتبِ المعتبرةِ مِن أخبار الشّیعةِ، فاِنّه قالَ رسولُ اللهِ - صلَّی اللهُ عَلَیه وآلِه-(105) : «قلیلٌ فی سُنَّةٍ خَیرٌ مِن کَثیرٍ فی بِدعةٍ»(106).

و علیک بقلّةِ الأ کلِ والنّومِ(107) ،لا ترکِ الحیواني أوشیءٍ ممّا اَنعَمَ اللهُ به (108)علیک ولا بحیث ینحَفُ بدنک ولا تقدِرُ علی العملِ . فإنّ

--------------------------------------------------------------------------------------------

[111]

البَدَن مطیَّتک و تحتاجُ الی تقویتها للأعمال الکثیرة .

و علیکَ بالسّعیِ فی حلّیّهِ مأکَلک و ملبسک و بُعدِ هما عن الشبهاتِ بل جمیعِ ما تصرفه لنفسک أوفی وجوهِ البرّ(109).

و علیک بقِلّةِ مُصاحَبةِ الفاسِقینَ و الظّالِمینَ و معاشرتهم .  فاِنَّ لِصُحبَتِهِم تأثیراً عظیماً فی قـَساوةِ القلبِ و بُعدِکَ عن الله ؛ اِلاّ اَن تَجِدَ مِن نفسِک اَنَّ غَرَضَکَ هِدایتُهُم او دَفعُ ظلمٍ عن مظلومٍ أََو کنتَ تَتَّقِي مِنهُم(110).

وعلیک اَن تَختارَ مَن تُجالِسُهُ و تَصحَبُهُ و یَکونَ مُعیناً لک علی آخِرَتِک ، و لا تَصحَب کلَّ مَن تَراهُ؛ فانّ صُحبة َ اَکثرِ اَهلِ زمانِکَ تَضُرّ بدینِکِ و دُنیاک.

            قال الحواریّون لعیسی -علیه السّلام- : یا رُوحَ اللهِ، مَن نُجالِسُ؟ قال: مَن یُذَکِّرُکُمُ اللهَ رُؤیَتُهُ و یَزیدُکُم فِی العِلمِ مَنطِقُهُ وَ یُرَغِّبُکُم فِی الآخِرةِ عملُه(111).

--------------------------------------------------------------------------------------------

[112]

و ینبغی ان تَسکُتَ عمّا لایَعینک(112) ، و لا تتکلَّم فی الحلالِ و الحرام بغیر علمِ ؛ فإنّ المفتي علی شفیر جهنّم(113).  و قد قال الله- تعالی - « الذینَ یفترونَ علی اللهِ الکذبَ لا یفلِحُون»(113) و ایضاً قال «و یوم القیامةِ تری الّذین کَذَبوا علی اللهِ وجوهُهُم مسوَدَّةٌ »(115).

و ینبغی ان تَغتَنِم صحبه العلماءِ الرّبانیّین و تأخُذَ عنهم معالِمَ دینِک و تلاقَي الزّاهدین و المتعبدین کثیراً لتعظک أعمالهم و أقوالُهم و أطوارهم(116) .

و ایّاکَ ان تَظُنَّ بالمؤمِنینَ ألّاخیراً . وعلیک ان تَحمِلَ کلّ ماتری منهم علی المحامِلِ الصحیحةِ الحسنةِ(117) و علیک بذکراللهِ عند البلایا

--------------------------------------------------------------------------------------------

[113]

فتِصبرعلیها و عند النِعِم فتشکر ربَّک فیها ، و عند الطّاعةِ فتعملها و عند المعصیة فتترکها مخافة الله –عزوجل-(118) .

وعَلیکَ بمُطالَعَةِ الأَخبارِ الواردةِ فی صفاتِ المؤمنینَ(119) و المتّقین(120)، خصوصاً خطبة َ أمیرِالمؤمنینَ-علیه السّلام-  الّتی القاها علی هَمّامٍ(121)؛ و قد کَتََبَ والِديَ العلاّمة  - قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ - علیها شرحاً جامعاً(122)، فعلیک بمطالَعتِهِ.
            ثمّ اعلَم - یا أخي -، اَنَّ ما اَلقَیتُ الیک فی هذه الرسالة اَخَذتُها کُلَّها مِن معادنِ النّـُبُوّةِ. و ما أَقولُ مِن تِلقاءِ نفسی.

            وَ ایَّاک اَن تَظـُنَّ بالوالدِ العلاّمةِ - نوَّرَ اللهُ ضریحَهُ - اَنَّه کانَ

--------------------------------------------------------------------------------------------

[114]

من الصّوفیّةِ و یعتقدُ مَسالِکَهُم ومَذاهِبَهُم. حاشاهَ عن ذلک. وَکیفَ یکونُ کذلک و هو کانَ آنـَسَ اهلِ زمانِهِ ظاهراً باَخبارِ أهلِ البَیتِ و اَعلَمَهُم و [اَعمَلَهُم](123) بها؟!(124).

            بل کانَ مَسلکه الزّهدِ و الوَرَعِ ؛ و کانَ فی بَدوِ اَمرِهِ یَتَسَمَّیٰ باسمِ التَّصَوّفِ ، لِیَرغـَبَ اِلَیهِ هٰـذهِ الطّائفة و لا یَستَوحِشُوا مِنه، فَیَردَعَهُم عن تلکَ الاقاویلِ الفاسدةِ و الأعمالِ المُبتَدَعةِ؛ و قد هَدٰی کثیراً مِنهُم إلی الحقِّ بهذهِ المُجادَلَةِ الحَسَنَةِ.

            و لَمّا رأیٰ فی آخِرِ عُمرِهِ اَنَّ تلکَ المَصلَحَةَ قد ضاعَت وَرُفِعَت اَعلامُ الضَّلالِ وَالطّغیانِ وَغَلَبَت اَحزابُ الشَّیطان وعَلِمَ اَنَّهُم اَعداءُ اللهِ  صريحاً، تَبَرَّءَ مِنهُم . وَ کانَ یُکَفِّرُهُم فی عقائِدِهِمُ الباطلةِ؛ و اَنَا اَعرَفُ بطریقتِهِ ، و عندي خطُوطُهُ فی ذلِکَ.
            وَلْیَکُنْ هذا آخِرَ ما اَرَدْنا إیرادَهُ في هذهِ الرّسالةِ. و أَرجُو مِن فضلِ اللهِ - تعالی - اَن یَنفَعَکَ بما اَلقَیتُ اِلَیکَ.  و اَلتمِسُ مِنکَ اَن لا تَنساني فی مَظانِّ اِجابةِ الدّعاءِ.  وَ وَفـَّقَنَا اللهُ  وَ اِیّاکَ لِما یُحِبُّ وَ یَرضیٰ . وَ یَجعَلَنا و اِیّاکَ مِمَّن یُذَکَّرُ فَتَنَفَعَهُ الذِّکریٰ.

--------------------------------------------------------------------------------------------