الفيض القدسي في ترجمة العلامة المجلسي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي فجر عين حياة قلوب أوليائه من بحار أنوار معرفته و جعل زاد عباده حق اليقين بمقدس وجوده و الاعتراف بالعجز عن إدراك كنه ذاته و صفته و الصلاة على مرآة العقول و ملاذ المصطفين الأخيار و جلاء العيون و مقياس مصابيح الأسرار محمد النبي المختار و على آله مفاتيح الغيب و مشاكي الأنوار.
و بعد فإن في ذكر السلف الصالحين و العلماء الراسخين الذين اهتدوا بنور أئمتهم و اقتفوا آثارهم و اقتدوا بسيرتهم و أناخوا رحلهم بفنائهم و لم يشربوا من غير كأسهم و إنائهم تذكرة و موعظة للخلف الباقين و أنسا و تسلية للاحقين و إعانة لهم الصعود على مدارج الكمال و العكوف على صالح الأعمال .
[3]

و فيه مع ذلك إحياء لذكرهم الذي فيه ذكر أئمتهم و سادتهم و إتمام لنورهم الذي اكتسبوه من ولايتهم و عمل بما ورد من الحث على مجالستهم و مخالطتهم و الحض على محادثتهم فإن المسرح طرفه في أكناف سيرة من غاب عنه و ما هو عليه من العلم و العبادة و الفضل و الزهادة كالمجالس معه المستأنس به في الانتفاع بأقواله و حركاته و اقتفاء سيرته و آدابه .
و لذا استقرت طريقة المشايخ على ضبط أحوالهم و جمعها و تدوينها في صحف مكرمة و كتب شريفة و أتعبوا أنفسهم في ذلك حتى تحملوا أعباء السفر و قطعوا الفيافي و القفار و ركبوا البراري و البحار و رغبوا حافظيها و مصنفيها و مدحوا جامعيها و مؤلفيها و بالغوا في الثناء عليهم .
و كفى للمقام شاهدا ما كتبه آية الله بحر العلوم و المعالي العلامة الطباطبائي قدس سره على ظهر نسخة الأصل من كتاب تتميم أمل الآمل
[4]

و هو عندي موجود بخطه الشريف .
قال رحمة الله عليه بعد الحمد و الصلاة و بعد فقد وفقني الله و له الحمد للتشرف بما أملاه الشيخ العالم الفاضل و المحقق العدل الكامل
[5]

طود العلم الشامخ و عماد الفضل الراسخ أسوة العلماء الماضين و قدوة الفضلاء الآتين بقية نواميس السلف و شيخ مشايخ الخلف قطب دائرة الكمال و شمس سماء الفضل و الإفضال الشيخ العلم العالم الزكي و المولى الأولى المهذب التقي المولى عبد النبي القزويني اليزدي لا زال محروسا بحراسة الرب العلي و حماية النبي و الولي محفوظا من كيد كل جاهل غبي و عنيد غوي و يرحم من
[6]

قال آمينا .
فأجلت فيما أملاه نظري و رددت فيما أسداه بصري و جعلت أطيل فيه فكري و أديم به ذكري فوجدته أنضد من لبوس و أزين من عروس و أعذب من الماء و أرق من الهواء قد ملك أزمة القلوب و سخي ببذل المطلوب .
لقد وافت فضائلك المعالي *** تهز معاطف اللفظ الرشيق
‏فضضت ختامهن فخلت أني *** فضضت بهن عن مسك فتيق
‏و جال الطرف منها في رياض *** كسين محاسن الزهر الأنيق
‏شربت بها كئوسا من معاني *** غنيت لشربهن عن الرحيق
‏و لكني حملت بها حقوقا *** أخاف لثقلهن من العقوق
‏فشربا يا نعيم بي رويدا *** فلست أطيق كفران الحقوق
‏و حمل ما أطيق به نهوضا *** فإن الرفق أليق بالصديق
و لعمري قد جاد و أجاد و بذل المطلوب كما أريد منه و أراد و لقد أحيا و أشاد بما رسم و أفاد رسوما قد اندرست و طولا قد عفت و معاهد قد عطلت و قباب مجد قوضت و أركان فضل قد هدت و انهدمت و أبنية سودد قد أنقضت و انقضت فلله دره فقد وجب على العالمين شكره و بره فكم أحيا بجميل ذكره ما قد مات و رد بحسن الثناء ما قد غبر و فات و كم له في ذلك من النعم و الأيادي على الحاضر و البادي و من الفواضل البوادي على المحفل و النادي فقد نشر فضائل العلماء و الفقهاء و ذكر محاسن الأدباء و الأزكياء و نوه بذكر سكان زوايا الخمول و أنار منار فضل من أشرف ضوؤه على الأفول فكأني بمدارس العلم لذلك قد هزت و ربت و بمجالس الفضل له قد أزلفت و زفت و بمحافل الأدب قد أسست و آنست و كأني بسكان الثرى و رهائن القبور قد ارتقوا مدارج الطور و ألبسوا ملابس البهاء و النور و تباشروا بالتهنية و السرور و طفقوا بلسان الحال ينشدون مادحهم هذا المقال .
[7]

رباعي

أحييتنا بثنائك السلسال *** فاذهب بنعماها رخي البال
‏في النشأتين لك المهنأ و الهنا *** نيل المنى و الفوز بالآمال
انتهى
و هو أعلى الله مقامه من الذين ينبغي التأسي بفعالهم و النسج على منوالهم .
و لما من الله تعالى على عباده في هذا القرن الذي قد مد الضلال باعه و أسفر الظلم قناعه و دعا الشيطان المغوي أتباعه و أجهد ولاة الكفر و البدع في ترويج مذهبهم بكل طريق و دعوا و رغبوا الناس إليها من كل فج عميق من عليهم بوجود السلطان المؤيد و الخاقان المسدد رافع ألوية البسالة باسط بساط العدل و الجلالة حامي مذهب الأئمة الاثني عشر ( ع ) و ماحي صولات من تمرد و كفر حارس بيضة الإسلام المنصور من عند الملك العلام السلطان ناصر الدين شاه القاجار مد الله ظلال سلطنته و أدام أيام ملكه و عدالته فألبس الملة البيضاء
[8]

ثوب العزة و البهاء و أسبل عليها ستور النضرة و السناء و أحيا معالم الدين بعد البلى .
صار نشر معالم الشرع شائعا في بلاد أهل الإيمان و تعظيم شعائر الله و تكريم مشاعره محبوب كل مخلص باليد و القلب و اللسان فإن الناس على دين ملوكهم فأخذ كل مؤمن من ذلك حظه و حاز منه قسطه .
إلى أن نهض صاحب الفتوة و معدن المروة مخزن المكارم و مفزع الأعاظم المؤيد بالتأييد السبحاني و اللطف الرباني الحاج محمد حسن الأصفهاني الملقب بالأمين أنجح الله تعالى له الأماني فأخذ منه الحظ المتكاثر الأسنى و النصيب المتوافر الأهنى و قذف الله في قلبه جمع مجلدات البحار الذي هو في كتب الإمامية كالشمس في رائعة النهار ثم طبعها و نشرها في البوادي و الأمصار لينتفع منه الغني و الفقير و الوضيع و الشريف و البعيد و القريب .
فسألني أخ إيماني و خليل روحاني لا يسعني رده و لا يمكنني صده أن أترجم حال صاحبه العلم العلام أداء لبعض حقوقه على أهل الإسلام و أذكر مناقبه و فضائله و أجمع كتبه و رسائله و أشير إلى آبائه و عشيرته و نسله و ذريته و مشايخه و تلامذته من الذين شيدوا أركان الدين القويم و ساقوا الناس إلى الصراط المستقيم فاستخرت الله و أجبت مسئوله و سميته الفيض القدسي في ترجمة العلامة المجلسي ( رهـ ) و رتبته على فصول