الفصل الأول في شطر من مناقبه و فضائله

الفصل الأول
في شطر من مناقبه و فضائله

قال المحقق الألمعي الحاج محمد الأردبيلي في كتاب جامع الرواة محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي الملقب بالمجلسي مد ظله العالي أستادنا و شيخنا و شيخ الإسلام و المسلمين خاتم المجتهدين الإمام العلامة المحقق المدقق جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة وحيد عصره فريد دهره ثقة
[10]

ثبت عين كثير العلم جيد التصانيف و أمره في علو قدره و عظم شأنه و سمو رتبته و تبحره في العلوم العقلية و النقلية و دقة نظره و إصابة رأيه و ثقته و أمانته و عدالته أشهر من أن يذكر و فوق ما يحوم حوله العبارة و بلغ فيضه و فيض والده رحمهما الله تعالى دينا و دنيا بأكثر الناس من الخواص و العوام جزاه الله تعالى أفضل جزاء المحسنين .
له كتب نفيسة جيدة قد أجازني دام بقاه و تأييده أن أروي عنه جميعها .
قلت لم يوفق أحد في الإسلام مثل ما وفق هذا الشيخ المعظم و البحر الخضم و الطود الأشم من ترويج المذهب و إعلاء كلمة الحق و كسر صولة المبدعين و قمع زخارف الملحدين و إحياء دارس سنن الدين المبين و نشر آثار أئمة المسلمين بطرق عديدة و أنحاء مختلفة أجلها و أبقاها التصانيف الرائقة الأنيقة الكثيرة التي شاعت في الأنام و ينتفع بها في آناء الليالي و الأيام العالم و الجاهل و الخواص و العوام و المشتغل المبتدي و المجتهد المنتهى و العجمي و العربي و أصناف الفرق المختلفة و أصحاب الآراء المتفرقة .
قال العالم الفاضل الألمعي آغا أحمد بن المحقق النحرير آقا محمد علي
[11]

ابن الأستاد الأكبر البهبهاني أعلى الله مقامهم في كتاب مرآة الأحوال إنه ليس بلد في بلاد الإسلام و لا بلاد الكفر خاليا من تصانيفه و إفاداته .
قال ( رهـ ) و وقعت سفينة في الطوفان فبلغوا أهلها أنفسهم بعد جد و جهد و تعب عظيم إلى جزيرة من جزائر الكفار و لم يكن فيها أثر من آثار الإسلام فصاروا ضيافا في بيت رجل من أهلها و علموا في أثناء الكلام أنه مسلم فقالوا إن جميع أهل هذه القرية كفار و أنت لم تخرج إلى بلاد المسلمين فما الذي أرغبك في الإسلام و أدخلك فيه فذهب إلى بيت و أخرج كتاب حق اليقين و قال أنا و أهل بيتي صرنا مسلمين ببركة هذا الكتاب و إرشاده .
قال رحمه الله و حدثني بعض الثقات عن والده الجليل المولى محمد تقي رحمة الله عليه أنه قال إن في بعض الليالي بعد الفراغ من التهجد عرضت لي حالة عرفت منها أني لا أسأل من الله تعالى شيئا حينئذ إلا استجاب لي و كنت أتفكر فيما أسأله عنه تعالى من الأمور الأخروية و الدنيوية و إذا بصوت بكاء محمد باقر في المهد فقلت إلهي بحق محمد و آل محمد ( ص ) اجعل هذا الطفل مروج دينك و ناشر أحكام سيد رسلك ( ص ) و وفقه بتوفيقاتك التي لا نهاية لها .
قال ( رهـ ) و خوارق العادات التي ظهرت منه لا شك أنها من آثار هذا الدعاء فإنه كان شيخ الإسلام من قبل السلاطين في بلد مثل أصفهان و كان يباشر
[12]

بنفسه جميع المرافعات و طي الدعاوي و لا تفوته الصلاة على الأموات و الجماعات و الضيافات و العبادات و بلغ من كثرة ضيافته أن رجلا كان يكتب أسامي من أضافه فإذا فرغ من صلاة العشاء يعرض عليه اسمه و أنه ضيف عنده فيذهب إليه .
و كان له شوق شديد في التدريس و خرج من مجلسه جماعة كثيرة من الفضلاء و صرح تلميذه الأجل الآميرزا عبد الله الأصفهاني في رياض العلماء أنهم بلغوا
[13]

إلى ألف نفس .
قال و زار بيت الله الحرام و أئمة العراق ( ع ) مكررا و كان يتوجه أمور معاشه و حوائج دنياه في غاية الانضباط و مع ذلك بلغ تحريره ما بلغ
[14]

و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
قال ( رهـ ) و بلغ في الفصاحة و حسن التعبير الدرجة القصوى و الذروة العليا و لم يفته في تلك التراجم الكثيرة شي‏ء من دقائق نكات الألفاظ العربية و بلغ في ترويجه الدين أن عبد العزيز الدهلوي السني صاحب التحفة الاثني عشرية في رد الإمامية صرح بأنه لو سمي دين الشيعة بدين المجلسي لكان في محله لأن رونقه منه و لم يكن له عظم قبله .
و في اللؤلؤة .
[15]

.....
[16]

.....
[17]

و الروضة البهية في ترجمته و هذا الشيخ لم يوجد له في عصره و لا قبله قرين في ترويج الدين و إحياء شريعة سيد المرسلين ( ص ) بالتصنيف و التأليف و الأمر و النهي و قمع المعتدين و المخالفين من أهل الأهواء و البدع سيما الصوفية و المبتدعين و كان إماما في الجمعة و الجماعة و هو الذي روج الحديث و نشره لا سيما في بلاد العجم و ترجم لهم الأحاديث بالفارسية بأنواعها من الفقه و الأدعية و القصص و الحكايات المتعلقة بالمعجزات و الغزوات و غير ذلك مما يتعلق بالشرعيات مضافا إلى تصلبه في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و بسط يد الجود و الكرم لكل من قصده .
و قد كان مملكة الشاة سلطان حسين لمزيد خموله و قلة تدبيره محروسة بوجوده الشريف فلما مات انقضت أطرافها و بدا اعتسافها و أخذت من يده في تلك السنة بلدة قندهار و لم يزل الخراب يستولي عليها حتى ذهبت من يده .
قلت أما عدم بلوغ أحد في رتبته في ترويج الدين من جهة التأليف و التصنيف فهذا أمر واضح لا ينكره إلا من في قلبه ضغن و على بصره غشاوة فإن أكثر العلماء تأليفا و أجلهم تحقيقا و تصنيفا آية الله العلامة رفع الله في
[18]

الخلد مقامه كما يظهر من فهارس الأصحاب بل قال الشيخ محمد بن خاتون العاملي في صدر شرح الأربعين لشيخنا البهائي ما معناه أن مؤلفاته في الكثرة على حد بحيث إنها قد حوسبت فصار بإزاء كل يوم من أيام عمره ألف بيت من المصنفات و إن كان هو من الأغلاط الشائعة و الأكاذيب الصريحة عند أهل هذا الفن .
قال الفاضل الخبير الآميرزا عبد الله الأصبهاني في رياض العلماء إن إمامنا العلامة ممن لا مرية في وفور علمه و غزارة مصنفاته في كل علم و لكن هذا قول من لا دربة له في تعداد مؤلفاته و التأمل في مقدار كتابه و أعداد مصنفاته إذ كتبه رضي الله عنه مضبوطة و مقدار عمره أيضا معلوم و لو حاسبنا و سامحنا في التدقيق لما يصير في مقابلة كل يوم من أيام عمره أعني من أوان بلوغه رتبة الحلم إلى وقت وفاته بقدر مائتي بيت فما يقال في المشهور جزاف واضح بل و لو حوسب جميع ما كتبه رحمه الله مدة عمره و إن كان من غير مؤلفاته أيضا لما بلغ هذا المقدار و يكون من إغراقات الجاهل الهذار .
و نظير هذا القول ما اشتهر بين العامة أن إمامهم محيي الدين النووي شارح
[19]

مسلم و غيره الساكن بديار الشام المعروف أن هذا الرجل قد ألف في علومهم الباطلة كتبا كثيرة بحيث أنهم حاسبوا فصار بإزاء كل يوم من أيام عمره كراسين و هذا أيضا من مختلقات العامة و مغرباتهم و إغراقاتهم انتهى .
إلا أنه غير خفي أن ترويج المذهب بمؤلفات المولى المعظم المزبور أكثر و أتقن و أتم من ترويجه بمؤلفات آية الله العلامة ( رهـ ) من وجوه .
الأول أنه لم يبق من كتب العلامة ( رهـ ) دائرا بين الناس إلا بعض كتبه الفقهية و الأصولية و الرجالية و لم يشتهر الباقي و لم ينتفع به عامتهم بل لا يوجد من جملة من كتبه عين و لا أثر بخلاف مؤلفاته فإن أغلبها موجودة شائعة دائرة .
الثاني أنه لا ينتفع من كتب العلامة إلا العلماء و المشتغلون الذين صعدوا مدارج من العلوم و أخذوا حظا وافرا من الفهوم و أما مؤلفاته فيشترك في الانتفاع بها العالم و الطالب و الجاهل و العامي و النساء و الصبيان بل لا يوجد عاقل يتمكن من الانتفاع بالكتب قراءة أو سماعا إلا و له سهم فيها و حاز منافع منها .
الثالث أنه لا ينتفع من تصانيف العلامة إلا عربي اللسان بخلاف مؤلفاته فإن فيها ما ينتفع به العرب و يستفيد منه العجم بل آل أمر عظم مؤلفاته إلى أن تصدى جمع من الأعلام فترجموا عربيها بالفارسية و عجميها بالعربية كما ستعرف .
و لقد حدثني بعض الأساتيد العظام عمن حدثه عن بحر العلوم العلامة الطباطبائي أنه كان يتمنى أن يكون جميع تصانيفه في ديوان العلامة المجلسي ( رهـ ) و يكون أحد من كتبه الفارسية التي هي ترجمة متون الأخبار الشائعة كالقرآن المجيد في جميع الأقطار في ديوان عمله و كيف لا يتمنى ذلك و ما من يوم بل و لا ساعة من آناء الليل و أطراف النهار خصوصا في الأيام المتبركات و الأماكن المشرفات إلا و آلاف ألوف من العباد و فئام من
[20]

الصلحاء و الزهاد متمسكون بحبل ما ألفه متوسلون بوسيلة ما صنفه ما بين داع و ناج و زائر و معقب و صارخ و باك متزودون من زاده متحلون بحليته مقتبسون من مقابسه و في صحيح الآثار الذي استقرت عليه آراء الأخيار مشاركته مع كل واحد من هؤلاء الأصناف فيما يتلقونه من الفيوضات و يأخذون مما آتاهم رب البريات فهنيئا لروح تتردد دائما بين صفوف الزائرين و الصارخين و تتقلب في مصاف الداعين و المبتهلين .
بل قلما أقيمت مأتم لأبي عبد الله ( ع ) و ليس له حظ فيها و نصيب منها و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
و من خصائص فضائله أنه كان المتصدي لكسر أصنام الهنود في دولتخانه كما ذكره معاصره الفاضل الآمير عبد الحسين الخاتون‏آبادي في وقائع جمادى الأولى من سنة ألف و ثمانية و تسعين من تاريخه .
و قال السيد المحدث الجزائري في كتاب المقامات إن في عشر التسعين بعد الألف راجع السلطان أيده الله تعالى يعني به الشاة سليمان الصفوي الموسوي أمور المسلمين و أحكام الشرع إلى شيخنا باقر العلوم أبقاه الله تعالى في بلدة أصبهان و هي سرير الملك فقام بأحكام الشرع كما ينبغي .
و قد حكي له عن صنم في أصفهان يعبدونه كفار الهند سرا فأرسل إليه و أمر بكسره بعد أن بذل الكفار أموالا عظيمة للسلطان على أن لا يكسر بل يخرجونه إلى بلاد الهند فلم يقبل فلما كسر كان له خادم يلازم خدمته فوضع في عنقه حبلا و خنقه من أجل فراق الصنم .
و في التاريخ المذكور ولادته كما يأتي قال و في سنة 1098- و هي سنة كسر الأصنام پادشاه سليمان جاه پادشاه ايران ايشان را شيخ الإسلام بالاستقلال كردند مد الله تعالى في عمره و أطال بقاه و تا حال كه روز پنجشنبه نوزدهم
[21]

صفر است از سنه 1104- بحمد الله تعالى عامه و خاصه أهل روزگار از افادات و كتب مصنفه أو مستفيد ميشوند .
و قال عند ذكر وقائع تلك السنة روز شنبه 4- شهر جمادى الأولى سنه 1098- نواب أشرف أقدس همايون شاملو شاه سليمان صفوي بهادر خان از راه تصلبي كه داشت از براى ترويج أمور شرعيه مقدسه و تنسيق أمور شيعيان مولانا محمد باقر مجلسي را تعيين فرمودند بشيخ الإسلامي دار السلطنة أصفهان و از راه رعايت علماء و استرضاء خواطر آخوند مكرر بر زبان خجسته بيان لفظ التماس جاري ساختند .
و من جميع ما ذكرناه تعلم أن كل ما ذكره المشايخ العظام في مدح هذا البحر المحيط الطمطام غير مختلط بإغراق و مبالغة في الكلام و لا بأس بالإشارة إلى بعضها .
ففي مناقب الفضلاء ملاذ المحدثين في كل الأعصار و معاذ المجتهدين
[22]

في جميع الأمصار غواص بحار الأنوار الحقائق برأيه الصائب و مشكاة أنوار أسرار الدقائق بذهنه الثاقب حياة قلوب العارفين و جلاء عيون السالكين ملاذ الأخيار و مرآة عقول أولي الأبصار مستخرج الفوائد الطريفة من أصول المسائل مستنبط الفرائد اللطيفة من متون الدلائل مبين غامضات مسائل الحلال و الحرام و موضح مشكلات القواعد و الأحكام رئيس الفقهاء و المحدثين آية الله في العالمين أسوة المحققين و المدققين من أعاظم العلماء و قدوة المتقدمين و المتأخرين من فحول أفاخم المجتهدين و الفقهاء شيخ الإسلام و ملاذ المسلمين و خادم أخبار الأئمة المعصومين ( ع ) المحقق النحرير العلامة و المولى محمد باقر المجلسي طيب الله مضجعه و رفع مقامه في دار الكرامة و نجاه و عصمه من أهوال يوم القيامة و بيض وجهه يوم الحسرة و الندامة .
[23]

و في أمل الآمل مولانا الجليل محمد باقر بن مولانا محمد تقي المجلسي
[24]

عالم فاضل ماهر محقق مدقق علامة فهامة فقيه متكلم محدث ثقة ثقة جامع للمحاسن و الفضائل جليل القدر عظيم الشأن أطال الله بقاه .
[25]

و في إجازة العلامة الطباطبائي بحر العلوم للسيد الأيد السيد عبد الكريم بن سيد جواد بن السيد الجليل السيد عبد الله شارح النخبة في ذكر طريق الشيخ الأجل المولى أبي الحسن الشريف عن شيخه خاتم المحدثين الجلة و ناشر علوم الشريعة و الملة العالم الرباني و النور الشعشعاني خادم أخبار الأئمة الأطهار و غواص بحار الأنوار خالنا العلامة المولى محمد الباقر لعلوم الدين .
و وصفه العالم الأواه السيد عبد الله المذكور في إجازته بقوله الجامع بين المعقول و المنقول الأوحد في الفروع و الأصول مروج المذهب في المائة الثانية عشر أستاد الكل في الكل ناشر أخبار الأئمة الطاهرين ( ع ) و مسهل مسالك العلوم
[26]

الدينية للخاص و العام إلخ .
و قال المحقق النحرير الشيخ أسد الله الكاظميني في مقدمات مقابيسه بعد ذكر والده المعظم .
و منها المجلسي لولده و تلميذه الأجل الأعظم الأكمل الأعلم منبع الفضائل و الأسرار و الحكم غواص بحار الأنوار مستخرج كنوز الأخبار و رموز الآثار الذي لم تسمع بمثله الأدوار و الأعصار و لم تنظر إلى نظيره الأنظار و الأمصار كاشف أنوار التنزيل و أسرار التأويل حلال معاضل الأحكام و مشاكل الأفهام
[27]

بأبلج السبيل و أنهج الدليل صاحب الفضل الغامر و العلم الماهر و التصنيف الباهر و التأليف الزاهر زين المجالس و المدارس و المنابر عين الأوائل و الأواخر من الأفاضل و الأكابر الشيخ الواقر الباقر المولى محمد باقر جزاه الله رضوانه و أحله من الفردوس مبطانه .
و في حدائق المقربين للعالم الجليل الآمير محمد حسين الخاتون‏آبادي سبطه على ما نقله عنه العالم الماهر الآميرزا محمد باقر الخوانساري المعاصر دام علاه في روضات الجنات و قد ذكر فيه من أهل العلم و أبراره و أخيار فضلائهم الكثيرة أحوال ثلاثين كاملة من علمائنا الكاملين الكابرين الذين كانوا أصحاب التصانيف و افتتح بذكر ثقة الإسلام الكليني و اختتم بذكر شيخه .
فقال المكمل للثلاثين مولانا محمد باقر المجلسي نور الله ضريحه الشريف و قدس الله روحه اللطيف و هو الذي قد كان أعظم الفقهاء و المحدثين و أفخم أفاخم علماء أهل الدين و كان في فنون الفقه و التفسير و الحديث و الرجال و أصول الكلام و أصول الفقه فائقا على سائر فضلاء الدهر مقدما على جملة علماء العلم و لم يبلغ أحد من متقدمي أهل العلم و العرفان و متأخريهم منزلته من الجلالة و عظم الشأن و لا جامعية ذلك المقرب بباب إلهنا الرحمن .
و حقوق جنابه المفضل على هذا الدين من وجوه شتى و أوضحها ستة وجوه .
أولها أنه استكمل شرح الكتب الأربعة التي عليها المدار في جميع الأعصار و سهل الأمر في حل مشكلاتها و كشف معضلاتها على سائر فضلاء الأقطار و قد بلغ كل واحد من شرحيه على الكافي و التهذيب مائة ألف بيت و اكتفى بشرح والده المرحوم على الفقيه حيث لم يشرحه و أمرني أيضا بشرح الإستبصار فشرحته بيمن إشارته ثم وصى إلي عند وفاته بتتميم ما بقي من شرحه على الكافي و أنا الآن مشتغل به حسب أمره الشريف .

[28]

و ثانيها أنه جمع سائر أحاديثنا المروية التي ليس ما في هذه الكتب الأربعة في جنبها إلا بمنزلة القطرة من البحر في مجلدات بحاره التي لا يقدر على الإتيان بواحد منها أحد من العلماء و لما يكتب في الشيعة كتاب مثله جمعا و ضبطا و فائدة و إحاطة بالأدلة و الأقوال و هي خمسة و عشرون مجلدا إلا أن سبعة عشرة مجلدا منه خرج من المسودة و هي فيما به ينيف على سبعمائة ألف بيت و لم يتبيض منه ثماني مجلدات و كتبت هذه الثمانية من غير بيان و توضيح و وصى إلي تتميم ذلك أيضا و سوف أستسعد بإنجاح هذه الخدمة بعد فراغي من شرح الكافي إن شاء الله تعالى .
و ثالثها المؤلفات الفارسية التي هي في غاية النفع و الثمرة للدنيا و الآخرة و من أسباب هداية أغلب عوام أهل العالم و قل من دار في أحد بلاد أهل الحق لم يصل إليها شي‏ء من تلك المؤلفات .
و رابعها إقامة الجمعة و الجماعات و تشييده لمجامع العبادات بحيث أن من زمان وفاته إلى هذا التاريخ الذي هو بعد مضي خمسة أعوام من ذلك تقريبا لم ينعقد مثلها من مجامع العبادة بل تركت أغلب مراسم السنن و الآداب التي كانت ببركته عادة بين المؤمنين و كان في الليالي الشريفة و ليالي الإحياء ألوف ألوف من الخلائق مشغولين في مواضع العبادة و الإحياء بوظائفهم المقررة و استماع المواعظ البالغة و نصائحه الشافية .
و خامسها الفتاوي و أجوبة مسائل الدين الصادرة منه التي كان ينتفع بها المسلمون في غاية السهولة و اليوم بقيت الناس حيارى لا يدرون ما يصنعون قد يرجعون إلى زيد و قد يرجعون إلى عمرو و يجابون بأحكام متخالفة عجيبة صادرة عن الجهل أو التجاهل منهما بشي‏ء من المنطق أو المكتوب .
سادسها قضاؤه لحوائج المؤمنين و إعانته إياهم و دفعه عنهم ظلم الظلمة و ما كان من شرورهم و تبليغه عرائض الملهوفين إلى أسماع الولاة أو المتسلطين
[29]

ليقوموا بإنجاحهم .
و بالجملة حقوق ذلك المنبع للكمالات و المعدن للخيرات كثيرة على أهل الدين بل على قاطبة سكان الأرضين و بقيت آثاره و مؤلفاته إلى يوم القيامة تجري إلى روحه الشريف بركاتها و تصل إليه فوائدها و مثوباتها .
و كل مؤلفاته الشريفة على ما وقع عليه التخمين تبلغ ألف ألف بيت و أربعة آلاف بيت و كسرا و لما حاسبناه بتمام عمره المكرم جعل قسط كل يوم ثلاث و خمسين و كسر و قد قرأ هذا الحقير عليه الأحاديث و كتب لي بخطه الشريف في سنة خمسين و ثمانين و ألف إجازة رواية مؤلفاته و سائر ما أجيز له و صرح فيه ببلوغي درجة الاجتهاد و كنت يومئذ في حدود سبع و عشرين سنة و حقوقه علي غير متناهية فقد كان له علي حقوق الأبوة و التربية و الإرشاد و الهداية .
و لقد كنت في حداثة سني حريصا على فنون الحكمة و المعقول صارفا جميع الهمة دون تحصيلها و تشييدها إلى أن شرفني الله بصحبته الشريفة في طريق الحج فارتبطت بجنابه و اهتديت بنور هدايته و أخذت في تتبع كتب الفقه و الحديث و علوم الدين و صرفت في خدمته أربعين سنة من بقية عمري متمتعا بفيوضاته مشاهدا آثار كراماته و استجابة دعواته و لم أر في هذه المدة بحسن طويته و خلوص نيته و صفاء سجيته شكر الله حقوقه على أهل الإيمان و أسكنه أعلى غرف الجنان .
و قال رحمه الله في مناقب الفضلاء بعد ذكر نبذة من مؤلفات شيخه و جده و أشرفها بل أشرف الكتب المؤلفة في طريق الإمامية كتاب بحار الأنوار فلعمري لم يؤلف إلى الآن كتاب جامع مثله فإنه مع اشتماله على الأخبار و ضبطها و تصحيحها محتو على فوائد غير محصورة و تحقيقات متكثرة و لم يوجد مسألة إلا و فيها أدلتها و مباديها و تحقيقها و تنقيحها مذكورة على الوجه الأليق فشكر الله سعيه و أعظم أجره .
قلت بل لا تكاد تجد آية و لا خبرا في الأصول و الفروع و القصص و المكارم و غيرها إلا و له فيه بيان و توضيح و تحقيق و من ذلك يعرف التأمل فيما نقل عنه طاب
[30]

ثراه من أنه حكي يوما في مجلسه كثرة تصانيف آية الله العلامة الحلي و جعل الحاضرون يتعجبون منها فقال بعضهم ما معناه أن تصانيف مولانا لا تقصر عنا فقال المولى المجلسي ما معناه أين تقع تصانيفي التي هي مؤلفات من كتبه التي هي تحقيقات و مطالب علمية نظرية .
و هذا منه تواضع و خضوع و إن توهم غيره من لا اطلاع له بشروحه و حواشيه و تحقيقاته و لا خبرة له بكيفية جمع المشتتات و إخراجها من مآخذها و تصحيح متون الأخبار و تمييز مبهماتها فإنا لا ننكر علو مقام العلامة في النظر و الفهم و الدقة و الاطلاع و إنما الكلام في اشتمال تصانيفه على تحقيقات أكثر من تصانيف المولى المعظم و تحقيقاته و فوائده التي من جهتها لقبه أعلام العلماء الذين لا يجازفون في القول و لا يغرقون في الثناء بالعلامة كالأستاد الأكبر البهبهاني و آية الله بحر العلوم و الأستاد الأعظم الأنصاري و غيرهم كما لا يخفى على من راجع مصنفاتهم .
ثم بعد ذلك ما له من ترجمة أغلب متون الأخبار المتداولة على ما هو عليه و هو أصعب شي‏ء على المتقن المتقي الخبير .
و كذا فساد ما اشتهر بين البطالين الطاعنين على العلماء الربانيين من أنه كان له أعوان كثيرة على جمع الأخبار و لم يكن له حظ من تصانيفه إلا ذكر العنوان و صدر الخبر و الباقي يكتبه من حضر عنده فإن هذا كلام من لا دربة له بالتصنيف
[31]

و التأليف و إن إعانته في إخراج بعض الأخبار من مآخذها المتفرقة لا يزيد على إعانة المؤلف في الفقه مثلا بتأليف الكتب الأربعة و جمع الأقوال في المتون المرتبة المهذبة .
[32]

و أما توهم أنه كان يكتبه غيره فإنما هو في بعض الأدعية الكبيرة و الأخبار الطويلة كما رأينا بعض نسخ أصل البحار و أين هذا من سائر الأخبار و البيانات و التراجم مع أنا رأينا بل عندنا كثير من مجلداتها التي بخط غيره قد كان ما ألحقه
[33]

بها بعد عثوره على بعض الأخبار بخطه الشريف .
نعم ملأ الله قبور سلاطين الصفوية أنوارا و حشرهم مع أجدادهم الطاهرين فقد أعانوه في جمع تلك الكتب القديمة الشريفة المتفرقة في أطراف البلاد بما تيسر لهم .
قال السيد الأجل الأواه السيد عبد الله بن السيد نور الدين بن السيد نعمة الله الجزائري في آخر إجازته الكبيرة بعد ذكر شطر من سوء حال أهل العلم في زمانه و عدم مساعدة الملوك و الأعيان و الزمان على تحصيلهم و ابتلائهم بالضنك و ضيق المعيشة و ضعف الأحوال ما لفظه و قد كان الحال في القرن السابق على هذا القرن على العكس المطلق مما نحن فيه فإنهم كانوا في نعمة وافية و عيشة راضية و النفوس متشوقة إلى إكرام جانبهم و رفع مراتبهم و توقيرهم و إجلالهم و توفية أحوالهم و بنوا لهم المدارس و عقدوا لهم المجالس و هيئوا لهم الكتب و الآلات و أخلوا قلوبهم عن كل شاغل عن تحصيل الكمالات .
فاستقوا من كل بحر و نهر و حلبوا أشطر الدهر و هوت إليهم أفئدة العظماء و الأشراف و تسابقت إليهم الخيرات من الأطراف و أتتهم الكرامات من الأرضين القاصية و دانت لهم النفوس العاصية و لانت إليهم القلوب القاسية و تواردت عليهم الأيادي و تليت آيات مجدهم في النوادي و شاع صيتهم في البلدان و القرى و البوادي و بسط لهم مهاد النعيم قرارا و أرسل السماء عليهم مدرارا و تسهلت لهم الأسباب و تذللت الرقاب الصعاب و وفاهم الملوك حقوقهم من التكريم و التعظيم و أسهموهم من حظوظهم بالحظ العظيم و وسعوا لهم الأرزاق و جلبوا إليهم
[34]

الأدوات من الآفاق و اعتنوا بترويجهم و نشر آثارهم و اهتموا بتزيينهم و تعلية منارهم .
و سمعت والدي عن جدي رحمة الله عليهما أنه لما تأهب المولى المجلسي لتأليف بحار الأنوار و كان يفحص عن الكتب القديمة و يسعى في تحصيلها بلغه أن كتاب مدينة العلم للصدوق يوجد في بعض بلاد اليمن فأنهى ذلك إلى سلطان العصر فوجه السلطان أميرا من أركان الدولة سفيرا إلى ملك اليمن بهدايا و تحف كثيرة لخصوص تحصيل ذلك الكتاب و إنه كان أوقف السلطان بعض أملاكه الخاصة على كتاب البحار لتكتب من غلتها النسخ و توقف على الطلبة .
و من هنا قيل العلماء أبناء الملوك فتوجهوا لما توجهوا لما توجهوا إليه بقلوب فارغة و حواس مجتمعة و أحوال منتظمة و أسباب حاضرة و آلات معدة و أوقاف مضبوطة و نفوس مطمئنة مستعدة فتوصلوا إلى المراتب العالية و نالوا ما لم تبلغه بقدرة اللاحقين حيث انسدت عليهم تلك الأبواب و تقطعت بهم الأسباب .
أتى الزمان بنوه في شبيبته *** فبرهم و أتيناه على الهرم
و الحمد لله على كل حال .
قلت و أما نحن فأتيناه بعد وفاته و تقسيم تراثه .
ثم إن من العجب العجاب بعد ذلك كله ما صدر من بعض معاصريه و هو مير محمد لوحي الملقب بالمطهر في كتابه الأربعين الذي جمع فيه أربعين حديثا يتعلق بأحوال الحجة ( ع ) و أوضاع الرجعة فقد أكثر فيه من الإساءة إليه و إلى أبيه المعظم أعلى الله مقامهما و نسبهما إلى ما لا يليق بهما من قلة العلم حتى بالمسائل الأدبية .
و هذا داء مزمن دفين في صدور حسده المعاصرين فقد اطلعنا على نظيره في
[35]

كل عصر حتى أنا رأينا رسالة من الشيخ شرف الدين أبي عبد الله الحسين بن أبي القاسم بن الحسين العودي الأسدي الحلي المعاصر للمحقق رحمه الله تعالى في رد ما أجاب به المحقق عمن سأله عن إثبات المعدوم هل هو حق أم لا و المعتقد لذلك هل يحكم بالكفر أو الفسق و هل يجوز أن يعطى شيئا من الزكاة أم لا فأساء فيها الأدب بل نسبه في مواضع إلى الكفر .
و قال في أول كلامه وقفت على الجواب الذي أجاب به أبو القاسم جعفر بن سعيد رحمه الله عن معتقد إثبات المعدوم هل هو مؤمن أو كافر فرأيته قد تخطى الصواب و تعداه و تعاما عن الحق و تناساه فأحببت أن أبين فيه غلطه و أكشف للناظرين سقطه و ما فعلت ذلك إلا تقربا إلى الله تعالى بخلاص المفتي عن تقليد المستفتي في اعتقاده الباطل بفتياه و خلاص المستفتي من اتباع المفتي بما به من الباطل أغواه إلخ و لو لا قوله تعالى وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً لجازيته ببعض مقالته و اعتديت عليه بمثل إساءته و كفى به و بكتابه و بقرينة الشيخ العودي خمولا و عدم ذكر لهما بين الأصحاب و تصانيفهم نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و زيغ قلوبنا و غل صدورنا و سيئات أعمالنا .
و اعلم أنه ربما يوجد في ظهر بعض كتب الأدعية و المواضع الغير المعتبرة أن العلامة المجلسي ( رهـ ) قرأ في بعض الليالي الجمع هذا الدعاء
الحمد لله من أول الدنيا إلى فنائها و من الآخرة إلى بقائها الحمد لله على كل نعمة أستغفر الله من كل ذنب و أتوب إليه يا أرحم الراحمين
ثم لما كان في ليلة الجمعة الأخرى و أراد قراءة الدعاء المذكور نودي من فوقه أو من وراء البيت أن الملائكة لم يفرغوا إلى الآن من كتابة ثواب هذا الدعاء منذ قرأته في ليلة الجمعة الماضية .
و هذا الدعاء غير مذكور في أدعية ليلة الجمعة من صلاة البحار و ربيع الأسابيع له رحمه الله و جمال الأسبوع للسيد علي بن طاوس و كتب الكفعمي و غيرها و لا نقل هذه الكرامة تلامذته و لا ذريته الفضلاء الذين بنوا على استقصاء
[36]

فضائله كسبطه الفاضل الآمير محمد حسين في حدائقه و الآميرزا حيدر علي بن الآميرزا عزيز الله بن الآميرزا محمد تقي الألماسي الذي يأتي ذكره في رسالته المختصة به و بأنساب السلسلة المجلسية و العالم آغا أحمد بن آغا محمد علي الكرمانشهاني في مرآة الأحوال .
بل ما عاهدنا هذا الصنف عن الكرامات بين العلماء فما في ملفقات بعض المعاصرين من عد ذلك في مناقبه بل ذكر السند له لا يخرجه عن الضعف بل يقربه إلى الاختلاف لكثرة ما في هذا الكتاب من الأكاذيب الصريحة التي لا تخفى على من له أنس و اطلاع بأحوال العلماء و سيرتهم و أطوارهم و الله الموفق للصواب
[37]